وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
سؤال وجواب في أحكام صيام رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذه مجمل أحكام صيام رمضان مرتبة على صورة ((سؤال وجواب))، تمتاز بسهولة القراءة، ودقة العبارة، بالأدلة الصحيحة الثابتة؛ إنْ شاء الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صيام هذا الشهر المبارك.
س1: ما هو الصيام؟
ج: الصيام: هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب قرص الشمس، وهو من أركان الإسلام.
س2: ما هي أركان الصيام؟
ج: 1- النية: قال صلى الله عليه وسلم قال:{مَنْ لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له}، والنية: عزم القلب على الصيام من الغد، والتلفظ بها بدعة، وكل من علم أنَّ غداً من رمضان وهو يريد صومه: فقد نوى.
2- الإمساك: وهو المواصلة في ترك المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب قرص الشمس.
س3: ما هي المفطرات؟
ج: المفطرات: هي الأكل والشرب ولو قطرة – أو ما يقوم مقامهما- عن طريق الفم، والجماع، والتقيء؛ متعمداً؛ وهذا ثابت بالنص، والحقنة (الإبرة) المغذية التي يستغني بها عن الطعام؛ على الأرجح، ويبطل صيام المرأة: نزول دم الحيض أو النفاس؛ إجماعاً.
أما ما سوى ذلك؛ كالأكل والشرب والجماع والتقيء: من غير عمد، والإبرة غير المغذية، والبخاخ لضيق التنفس، والقطرة في العين أو الأذن، ومباشرة الزوجة -لمن يملك نفسه عن الجماع- ونزول المني ولو بشهوة؛ من غير جماع، والكحل، والإدهان، والتطيب، والتسوك، وتنظيف الأسنان بالمعجون، وشم الرائحة والبخور، وتذوق الطعام، وكثرة الاغتسال، والاستيقاظ عن جنابة بعد الفجر، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وابتلاع الريق، وقول الزور والعمل به؛ فهذه الأمور لا يفطر بها الصائم على الصحيح.
وأكثر هذه الأشياء مباحة، وبعضها قد نهى الشرع عنها، إما نهي تحريم يأثم به الصائم وينقص به صيامه، وإما نهي كراهة؛ لكن النهي إنْ كان غير مخصوص في هذه العبادة فلا يقتضي بطلانها كما هو معلوم عند الأصوليين.
أما الحجامة – وهي: إخراج الدم الفاسد من الجسد عن طريق المصِّ – فالخلاف فيها شديد، لكن ثبت عن ابن عباس: {أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم} رواه البخاري، وهو نص صريح في جوازها، وأما ما جاء عن جمع من الصحابة: أنَّه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: {أفطر الحاجم والمحجوم}، فالظاهر أنَّ هذا إخبار بعاقبة الأمر، لأنَّ الحجامة تضعف الحاجم والمحجوم وقد تؤدي بهما إلى الإفطار، فعن ثابت البناني قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه: كنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: [لا، إلا من أجل الضعف] رواه البخاري؛ وأما الحجامة بالآلة فالخلاف معتبر في المحجوم لا الحاجم.
س4: على منْ يجب صوم رمضان؟
ج: يجب صيام رمضان في كل سنة على: المسلم، المكلف - البالغ العاقل – ، الصحيح، المقيم، القادر، السالم من الموانع.
س5: منْ هم أصناف المفطرين في رمضان؟ وما هي أحكامهم؟
ج: 1- منْ يحرم عليه الفطر: وهو المذكور في الجواب السابق، فمن أكل أو شرب في نهار رمضان من هؤلاء متعمداً: فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولا يُقضى هذا اليوم لفواته، وعليه أن يبادر بالتوبة، والإكثار من صيام التطوع لعلَّ الله تعالى أن يغفر له ذنبه بذلك.
أما مَنْ تعمد القيء فعليه قضاء ذلك اليوم. والقضاء: يستحب فيه المبادرة بعد رمضان والتتابع في الأيام، وآخره شهر شعبان.
أما مَنْ جامع في نهار رمضان؛ فعلى الرجل - لا المرأة - الكفارة؛ وهي: عتق رقبة، فإنْ لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ والتتابع شرط، لكن إن تعذَّر لسبب قاهر: واصل بعده، فإنْ لم يجد فإطعام ستين مسكيناً، والعدد شرط في الكفارة، والإطعام إن شاء مطبوخاً أو مداً لكل مسكين، ثم بعد الكفارة يقضي يوماً مكان اليوم الذي أفطر فيه، أما مَنْ ترك الصيام جاحداً لوجوبه فهذا كافر خارج من الملة.
2- من يجب عليه الفطر: المرأة الحائض والنفساء؛ ولا يصح صيامهما وعليهما القضاء، كذلك: يجب الفطر على المسافر والمريض والشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع؛ إذا شق على هؤلاء الصيام وخشوا الهلاك أو الضرر؛ وعلى المسافر والمريض أن يقضيا ما أفطرا من أيام، أما الشيخ الكبير والعجوز والمريض الذي لا يُرجى شفاءه: فعليهم أن يطعموا عن كل يوم أفطروه مسكيناً، وكذلك: الحامل والمرضع إذا خشيتا الضرر على نفسيهما أو طفليهما: فعليهما الإطعام (الفدية) على أرجح الأقوال؛ كما ثبت من قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، والفدية: طعام مطبوخ أو مد غير مطبوخ (وهو بمقدار كيلو غرام) من قوت البلد عن كل يوم مسكين؛ وسواء كانوا ثلاثين مسكيناً -متفرقين أو مجتمعين- أو كان مسكيناً واحداً أو عائلة مسكينة واحدة، وكذا لا فرق في إخراجها في أثناء الشهر أو بعده، ولا يجوز دفعها كقيمة نقدية.
3- من يجوز له الفطر: يجوز للمسافر أن يفطر؛ بل يُستحب الإفطار أخذاً بالرخصة لمن يشق عليه الصيام ولا يتحرج بالقضاء، وإلا فالصيام أحب، كذلكيجوز للمريض الفطر؛ وعلى المسافر والمريض إنْ أفطرا: القضاء.
س6: كيف يثبت الإمساك ؟
ج: يثبت كشهر: برؤية العدل - بعينه المجردة – الهلالبعد غروب الشمس في التاسع والعشرين من شعبان، فإنْ كانت السماء غير صافية ولا يمكن رؤيته: فيجب إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً؛ أي عدم صيام اليوم التالي؛ لأنه يُحرم صيام يوم قبل رمضان من غير المعتاد، ويبدأ الصيام من اليوم الذي بعد هذا اليوم. ورؤية بلد من بلاد المسلمين للهلال: تعتبر رؤية لجميع بلدان المسلمين؛ إلا إذا أدى ذلك إلى انقسام أهله واختلافهم فصومهم يوم يصومون وفطرههم يوم يفطرون وضحاهم يوم يوضحون، ويجب الإمساك ولو عَلِمَ ذلك بعد طلوع الفجر من أول يوم من رمضان، ولا قضاء عليه.
ويثبت كيوم: إذا تبيَّنَ الفجر وهو الثاني (الصادق) قال تعالى:[ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ]؛ والفجر فجران: صادق وكاذب؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة. وفجر تحرم فيه الصلاة، ويحل فيه الطعام"، فالصادق: هو البياض المشوب بحمرةالمنتشر المعترض في الأفق من الجنوب إلى الشمال من جهة المشرق، أما الكاذب: فهو البياض المستطيل الساطع المصَعَّد يبدأ من نقطة في الأفق من جهة الشرق ويتجه طولاً، ولا يدوم بل تعقبه ظلمة؛ قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:{ لا يغرنَّكم في سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير}، وقال:{ كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر}، والسحور سنة وبركة.
س7: كيف يثبت الإفطار ؟
ج: يثبت كشهر: برؤية العدل - بعينه المجردة – الهلال بعد غروب الشمس في التاسع والعشرين من رمضان، فإن كانت السماء غير صافية ولا يمكن رؤيته: فيجب إكمال عدة شهر رمضان ثلاثين يوماً؛ أي عدم إفطار اليوم التالي، ويكون العيد في اليوم الذي بعد هذا اليوم، ورؤية بلد من بلاد المسلمين للهلال: تعتبر رؤية لجميع بلدان المسلمين؛ ويجب الإفطار ولو علِمَ ذلك بعد طلوع الفجر؛ لأنه يحرم صيام يوم العيد.
ويثبت كيوم: إذا غربت الشمس قال تعالى: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} والليل يبدأ من غروب الشمس، وينبغي الاعتبار بغروب قرص الشمس لا بانتظار ذهاب الحمرة أو الصفرة، ويحرم الانتظار حتى تظهر ظلمة الليل أو تظهر النجوم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر}، وقال:{ لا تزال أمتي على سنتي: ما لم تنتظر بفطرها النجوم}، وقال: {لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة: ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم}، وقال:{ لا يزال الدين ظاهراً: ما عجل الناس الفطر؛ لأنَّ اليهود والنصارى يؤخرون}، وبوب البخاري فقال: "باب: متى يحل فطر الصائم، وأفطر أبو سعيد الخدري: حين غاب قرص الشمس" ، وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطاراً، وأبطأهم سحوراً ". والله الموفِّق.
هذا وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم